سورة الروم - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}
في {يُرِيكُمْ} وجهان: إضماران، وإنزال الفعل منزلة المصدر، وبهما فسر المثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقول القائل:
وَقَالُوا مَا تَشَاءُ فَقُلْتُ أَلْهُو *** إِلَى الإِصبَاحِ آثَرَ ذِي أَثِيرِ
{خَوْفًا} من الصاعقة أو من الإخلاف {وَطَمَعًا} في الغيث. وقيل: خوفاً للمسافر، وطمعاً للحاضر، وهما منصوبان على المفعول له.
فإن قلت: من حق المفعول له أن يكون فعلاً لفاعل الفعل المعلل؛ والخوف والطمع ليسا كذلك.
قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن المفعولين فاعلون في المعنى، لأنهم راءون، فكأنه قيل: يجعلكم رائين البرق خوفاً وطمعاً.
والثاني: أن يكون على تقدير حذف المضاف، أي: إرادة خوف وإرادة طمع، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ويجوز أن يكون حالين؛ أي: خائفين وطامعين. وقرئ {ينزل} بالتشديد.


{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)}
{وَمِنْ ءاياته} قيام السموات والأرض واستمساكهما بغير عمد {بِأَمْرِهِ} أي بقوله: كونا قائمتين. والمراد بإقامته لهما: إرادته لكونهما على صفة القيام دون الزوال. وقوله: {إِذَا دَعَاكُمْ} بمنزلة قوله: يريكم، في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى، كأنه قال: ومن آياته قيام السموات والأرض، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة: يا أهل القبور اخرجوا. والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ولا تلبث، كما يجيب الداعي المطاع مدعوّه، كما قال القائل:
دَعَوْتُ كلَيْباً دَعْوَةً فَكَأَنَّمَا *** دَعَوْتُ بِهِ ابْنَ الطَّوْدِ أَوْ هُوَ أَسْرَعُ
يريد بابن الطود: الصدى، أو الحجر إذا تدهدى، وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض بثم، بياناً لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله، وهو أن يقول: يا أهل القبور، قوموا؛ فلا تبقى نسمة من الأوّلين والآخرين إلا قامت تنظر، كما قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68]. قولك: دعوته من مكان كذا، كما يجوز أن يكون مكانك يجوز أن يكون مكان صاحبك، تقول: دعوت زيداً من أعلى الجبل فنزل عليّ: ودعوته من أسفل الوادي فطلع إليّ.
فإن قلت: بم تعلق {مِّنَ الأرض} أبالفعل أم بالمصدر؟ قلت: هيهات، إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
فإن قلت: ما الفرق بين إذا وإذا؟ قلت: الأولى للشرط، والثانية للمفاجأة، وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط. وقرئ {تخرجون} بضم التاء وفتحها {قانتون} أي منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه.


{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم؛ لأنّ من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها، وتعتذرون للصانع إذا خطيء في بعض ما ينشئه بقولكم: أوّل الغزو أخرق، وتسمون الماهر في صناعته معاوداً، تعنون أنه عاودها كرّة بعد أخرى؛ حتى مرن عليها وهانت عليه.
فإن قلت: لم ذكر الضمير في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} والمراد به الإعادة؟ قلت: معناه: وأن يعيده أهون عليه.
فإن قلت: لم أخرت الصلة في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وقدّمت في قوله: {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} [مريم: 21]؟ قلت: هناك قصد الاختصاص وهو محزه، فقيل: هو عليّ هين، وإن كان مستصعباً عندكم أن يولد بين همّ وعاقر؛ وأما هاهنا فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أنّ الإعادة أسهل من الابتداء؛ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى.
فإن قلت: ما بال الإعادة استعظمت في قوله: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} حتى كأنها فضلت على قيام السموات والأرض بأمره، ثم هوّنت بعد ذلك؟ قلت: الإعادة في نفسها عظيمة، ولكنها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء.
وقيل الضمير في عليه للخلق. ومعناه: أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء، لأن تكوينه في حدّ الاستحكام، والتمام أهون عليه وأقل تعباً وكبداً، من أن يتنقل في أحوال ويندرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ. وقيل: الأهون بمعنى الهين. ووجه آخر: وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله، والإعادة من قبيل الواجب الذي لابد له من فعله، لأنه لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب، والأفعال: إما محال والمحال ممتنع أصلاً خارج عن المقدور، وإما ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح، وهو رديف المحال؛ لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة. وإما تفضل والتفضل حالة بين بين، للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله. وإما واجب لابد من فعله، ولا سبيل إلى الإخلال به، فكان الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول. فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب، كانت أبعد الأفعال من الامتناع. وإذا كانت أبعدها من الامتناع، كانت أدخلها في التأني والتسهل، فكانت أهون منها. وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء {وَلَهُ المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به. ووصف في السموات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات، ويدل عليه قوله تعالى: {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي القاهر لكل مقدور {الحكيم} الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه.
وعن مجاهد {المثل الأعلى} قول لا إله إلا الله، ومعناه: وله الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية. ويعضده قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ} [الروم: 28] وقال الزجاج: {وَلَهُ المثل الأعلى فِي السماوات والأرض} أي: قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قد ضربه لكم مثلاً فيما يصعب ويسهل. يريد: التفسير الأوّل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8